الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية بقلم المنصف بن مراد: تونـس في خطــر يا سيّـدي رئــيـــس الجـمـهـوريـــة

نشر في  08 جوان 2016  (10:32)

اعترف رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي مؤخرا انّ الحكومة فشلت واقترح تشكيل حكومة وحدة وطنيّة يشارك فيها اتحاد الشغل واتحاد الأعراف وسائر الأحزاب إذا أرادت ذلك..
انّ هذه المبادرة ايجابيّة لكنها تحتاج إلى حدّ أدنى من الشروط والقرارات.. فبعد ان دمّرت حكومتا الترويكا الاقتصاد التونسي واقترضت 17500 مليار خلال ثلاث سنوات واضعفت الإدارة التونسية وسمحت للارهاب بالانتشار على أرض هذا الوطن وتسامحت مع كبار المهرّبين وربطت علاقات ديبلوماسيّة متينة مع الحكومات المساندة للتطرف والعنف، عين السيد الحبيب الصيد في ظروف صعبة، ورغم الخطب والوعود لم تتحسّن أحوال البلاد الا في مكافحة الارهاب، فالأرقام المتفائلة لم تقنع المواطن الذي لم يشعر بالطمأنينة الكافية ولا بالتحكّم في الأسعار..  طيلة 18 شهرا   كان مردود الحبيب الصيد في ظروف صعبة على رأس الحكومة باهتا ومرتبكا لأنّ تجربته السياسيّة محدودة وشخصيّته متردّدة  وان كان يعمل ليل نهار كموظّف سام مثالي.. ولقد كان له تفهم ملحوظ لطلبات حزب النهضة حيث لم يجرؤ على تطهير الإدارة من المتشدّدين المقنّعين بالدّين، كما ساند تعيين وزراء لم يكن لهم ما يكفي من الشّجاعة  لفتح ملفات الاغتيالات السياسيّة في تونس، ولم يشنّ حربا على كبار المهرّبين وكل ذلك في ظل انقسام حزب نداء تونس والحياد «الايجابي» لرئيس الجمهورية.. كان الحبيب الصيد قريبا جدا من حزب النهضة دون ان يعادي الأحزاب الأخرى، وبذلك لم يحظ بأيّ شعبيّة حتى وان كان اداريا ممتازا و«محراث خدمة» bosseur في ظروف صعبة جدا وفضلا عن ذلك فهو يفتقر الى نظرة استشرافية عوضها باجراءات لا ترتقي إلى بناء دولة العدل والعدالة والنمو والقضاء على الارهاب!

أما في ما يخصّ اقتراح السيد رئيس الجمهورية فيصعب تطبيقه لأنّ هناك حواجز لا يمكن تجاوزها وأولها موقف اتحاد الشغل الذي دعا الى أكثر عدالة اجتماعية وأخرى جبائيّة والتركيز على الولايات المهمّشة مؤكدا رفضه  للاختيارات الليبيرالية ولضغوط المؤسسات المالية العالمية التي تفرض على بلادنا املاءات لاتراعي ـ بما فيه الكفاية ـ قدرات ضعفاء الحال ولا الواقع الاجتماعي علما ان اتحاد الشغل يخشى ان تكون مبادرة الباجي ترمي ايضا الى إقرار هدنة اجتماعية  ـ أخلاقيا ـ يكون شريكا فيها،  لكن المنظّمة الشغيلة ستغتنم هذه الظروف للمساهمة في تحديد السياسة الاقتصادية والاجتماعية عبر حوار وطني، كما سيكون لها رأي في تعيين بعض الوزراء منهم وزراء الشؤون الاجتماعيّة والصحة والتنمية.
أما اتحاد الأعراف فلن يشارك بصفة مباشرة في حكومة الوحدة الوطنيّة لكن سيكون له من يمثّله في العمل الحكومي.. بقيت الأحزاب اليسارية ومن بينها الجبهة الشعبيّة، فهي ما انفكت ترفض التوجهات الليبيرالية للحكومات المتعاقبة منذ تغيير النظام.. فأي حكومة وحدة وطنية يمكن تشكيلها وان كانت الحكمة تقتضي التحاور مع اتحاد الشغل واتحاد الأعراف واليسار قبل الإعلان عن المبادرة كي تتوفّر ممهّدات النّجاح لكن الباجي خاطب الرأي العام أولا لإعلامه بصعوبة المرحلة  ثمّ طلب من الأحزاب والمنظّمات تزكية مشروعه..

أمّا النهضة فمعنية بهذه المبادرة لأنها تدرك أكثر من أيّ كان أن ابتعادها عن مراكز القرار ومقاطعة رئيس الجمهورية سيكون قرارا شبه انتحاري لأنّ حزب السيد راشد الغنوشي حريص على إقامة علاقات جيّدة مع مؤسسة الرئاسة ورئاسة الحكوة ووزراء الداخلية والدّفاع والعدل وهذا ما فعله وهذا ما سيفعله وإن تقلص نفوذ النهضة على الحكومة المقبلة وخاصّة وزارات السيادة! انّ مساندة الحركة لمبادرة الرئيس الباجي أمر مفروغ منه مع التذكير بأنها (أي النهضة) طالبت بتوضيح المنشود من هذه العملية ومن ثمة معرفة الوزراء المترشّحين لأبرز الوزارات..
انّ تشكيل حكومة وحدة وطنية يتطلب انسجاما بين الأطراف المشاركة(مما يحول دون حضور النهضة واتحاد الشغل في الوقت نفسه في الحكومة) كما يتطلب  توافقا حول أهمّ الاختيارات  السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكل هذا غير متوفّر.. في هذه الظروف لم يبق للباجي سوى تعيين رئيس حكومة حديدي يتشاور معه في أهممّ الملفّات انطلاقا من حوار وطني يضمن حدّا أدنى من الانسجام علما انّ الاضرابات والاحتجاجات لا يمكن التقليص منها بقرار رئاسي..
أمّا في ما يخصّ الفساد فانّ ردعه صعب للغاية لأنّ كبار المهرّبين لهم تحالفات وصداقات مع كبار الأحزاب علما انّ رئيس الجمهورية انتقد بكل لطف الأستاذ شوقي الطبيب المسؤول الوطني عن هذا الملف معتبرا انّ موضوع الفساد لم يبلغ المستوى  الذي ذكره الطبيب ولو انّ ملف الفساد أخطر بكثير من حيث حجمه وتداعياته مما يتصوّره رئيس الجمهورية.
مهما يكن من أمر تعتبر مبادرة سي الباجي ايجابيّة وان كان رافضوها عديدين..
انّ تونس في خطر يا سيادة رئيس الجمهورية وهذا أمر تدركونه جيدا، ولن تنجح مبادرتكم إلا إذا وقع تعيين رئيس حكومة من فولاذ ووزراء عدل ودفاع وداخليّة من حديد لا يخضعون لأيّ ضغوطات حزبية، وشغلهم الشاغل وهمّهم الوحيد هو خدمة تونس دون سواها وذلك بسحق الارهاب وانعاش الاقتصاد وايجاد حلّ للمديونيّة التي ستدمّر البلاد!